11 January, 2009

أبعاد إستراتيجية




سيكون من الصعب الآن التنبؤ بإمكانيات استمرار العملية الإسرائيلية ضد قطاع غزّة وصولا إلى الاجتياح البرّي الشامل الذي تُهدّد إسرائيل به بين الحين والآخر. هناك اعتقاد يسود في الأوساط الإسرائيلية أن الضرب من الجو قد لا يحل المسألة جذريا، لكن على الجانب الآخر، لا تُعتبر فكرة الاحتلال الشامل مثالية إسرائيليا. على هذا، سيعتنق الطرفان الفكرة القائلة بأن تجديد التهدئة سيبقى الخيارالأقرب إلى الواقع. لا ترغب حماس في النهاية أن تخسر الكثير، وفي إسرائيل سرعان ما سيكون سؤال " ماذا بعد؟ " على المحك.

كسبت حماس في الأيام الأخيرة تعاطفا شعبيّا غير مسبوق، ومنحت حلفاءها الإقليميين ورقة ضاغطة ضدّ معسكر الاعتدال العربي الذي يعيش أياما صعبة، ومن شأن هذا التعاطف أن يوفّر لحماس كل المبرّرات التي تدعم مسوغاتها لإبقاء مقاربتها بشأن غزّة قويّة وفاعلة. بالإضافة لذلك، فإن التدمير الإسرائيلي الممنهج لمؤسّسات حماس الحكومية في غزّة لن يقوّض حكمها، بل على العكس تماما، سيعيدها إلى حاضنتها الجماهيرية الأوسع. ولغايات استمرارها في إدارة غزّة، ستلجأ حماس إلى الأشكال المحليّة الأقل سلطوية وهو ما سيجعلها أكثر تماهيا مع الجمهور ممّا لو كانت منخرطة تماما في السلطة، ما يعني بداهة تصعيب مواجهتها في جولات حربيّة أخرى.

***

في سنوات إدارة بوش المنصرفة كان المحور الذي يتعاضد حوله معسكر الاعتدال العربي يتمثّل في وجود عملية سلام إسرائيلية فلسطينية، لم تكن أمريكا جادة في الواقع إزاءها، وإنّما وضعتها كحاجة تكتيكية في إطار هدفها الإستراتيجي : العراق. اليوم، بعد عمليّة غزّة، إنتهت هذه الدينامية في المنطقة، لأن عملية السلام لم يعد لها وجود ببساطة، ولعل في تصريحات الملك الأردني عن وجود مؤامرة في المنطقة ضدّ القضية الفلسطينية برمتها دلالة على انكشاف هذا المحور وعمق أزمته وتعرّضه للتضليل الأميركي الإسرائيلي طوال سنوات.


إن المرحلة المقبلة هي مرحلة الترتيبات الإقليمية مع الأطراف الإقليمية الحليفة لحماس في المنطقة، وهو سيدفع تدريجيا لأن تنفتح أمام حماس كوّة باتجاه الآفاق الإقليمية والدولية كطرف يمكن التفاوض معه، إذا ما سلمنا بصعوبة إخراج الحركة الإسلامية من المعادلة القائمة، وإنهائها بواسطة القوّة العسكرية.

لكن، هل وجود حماس في معسكر " الرابحين " في الإقليم سيكون في صالح القضية الفلسطينية حتما؟ دون أن تمتلك حماس رؤية وطنية منسجمة مع مصالح الشعب الفلسطينيي الوحدة والاستقلال الوطني، ودون التخلي عن سعيها الحثيث لاستثمار صمود الشعب الفلسطيني لتأبيد سلطتها على غزّة وكسب الاعتراف الدولي لصالح هذه السلطة المحليّة التي لا تعكس طموحات الفلسطينيين - تتبدّى في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى صورة التماهي الكامل بين مشعل وعرفات في بداياته - فإن الفلسطينيين سيجلبون لأنفسهم أكبر الخسائر، والتي تظهر في بعدها الإستراتيجي على صورة تهجيرهم مرّة أخرى من خلال استدعاء مشروعات التوطين في مصر والأردن والتي تجد في الحالة العربية لها اليوم أفضل رافعة.