23 March, 2009

العودة إلى الميادين؟

أحنّ إلى التدوين، هكذا ببساطة. لكنني أتساءل مجدّدا : عمّ أكتب؟ ولمن؟ فكرة أن يدوّن أحدهم من " غزّة " هي فكرة ساذجة إلى حد بعيد، لأن كتابة من هنا لا يمكن أن تتحرّر من عقدة التنميط المعجون بالمأساة والتكرار، ولأن رَهَطا من الصحفيين والسياسيين والمتضامنين الأجانب والمشايخ والمفكرين ومعهم قناة الجزيرة استكملوا عملية احتلال المساحات الخاصّة والعامّة ببراعة منقطعة النظير، حتى بتنا نحن، المعنيون الأساسيون، على الهامش. قبل أيّام قليلة رأيت رجلا يفرش " بسطة " في السوق ليبيع أجهزة كمبيوتر محمولة، وإلى جانبه تماما رجل آخر يبيع بوابير الكاز! هل يمكن لكتابة عن مشهد كهذا أن تكون مثيرة لدهشة ... عميقة؟!

أُكتب كتابة شخصية بحتة. حاولتُ يا عزيزي. ما إن تكتب عن ذاتك حتى تجد نفسك متماهيا مع الجماعة لأنّك لا تمتلك ما يميّزك عنها فالكل هنا متشابه. تحتاج لفترة طويلة لتسمع نكتة تُضحكك من قلبك، وتحتاج لفترة أطول بكثير لتُفاجأ بشتيمة خارجة عن سياق تراث البذاءة الشعبيّ الممل تستخدمها في أوقات الشدّة، وحن يتعلّق الأمر بالصبايا فإنك قد تنتظر عمرا كاملا قبل أن تصدمك تلك المجنونة التي يمكن أن تأخذك لعوالم سحريّة لم تك تعرفها من قبل.

لكل ما تقدّم، فإن مراهقا لم يبلغ العشرين من عمره بعد، يعيش على مقربة من " وسط البلد " في القاهرة يمكن له أن يجمع هذا المجد كله من أطرافه، وأن يقدّم لي دروسا في المتعة واللعب تفوق يفارق نوعي ما أعرفه وما تعلّمته، لأنّه باختصار، يستطيع أن يعيش هذه اللحظات - التي ستستهلك من عمري سنينا- في ساعة واحدة. ولأجل ذلك كلّه، يستحق الصديق بيسو لقب " خيال " الظل، لأن أشخاصا مثله لا يمكن أن يكفّوا عن التخيّل، لأن حياتهم، وإن وجدوها تافهة وسطحية أحيانا، تبقى ولا شك أعمق بكثير من هذا الابتذال الرخيص الذي نمارسه يوميا لنكمل عمرنا هنا.

على هذا، أتقدّم بطلب لحركة التضامن الدولي مع غزّة، التي يملأ ناشطوها أزقّة وأحياء ومخيّمات القطاع، بأن تبدأ التفكير جديا بإحداث تغيير طفيف على اتجاهات عملها " الإنساني " بحيث تنقسم إلى فريقين .. فريق يكتب عن المأساة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما هو حال كل من يريد أن يتضامن، وفريق آخر يبدأ الآن، وقبل فوات الأوان، بمهمّة تاريخية جديدة، وذلك عبر الكتابة عن مدى سطحية وتفاهة الحياة في هذه البقعة وعن توقف الزمن وحركة التخييل والإبداع الفطري وعن الملل والرتابة والاستلاب، وأن تُجمع حصيلة ما كُتب لتقدّم كأول مرافعة أخلاقيّة أمام العالم الحر لا تتطرّق لجوانب المأساة التي أُشبعت كلاما ومؤتمرات دوليّة .. لعلنا نستطيع فتح كوّة جديدة في هذا الجدار تُدغدغ عمق الضمير الإنساني الحسّاس وتدفعه بطاقته الكبيرة لمساعدتنا في إنجاز مشروعنا في حياة أكثر عمقا للجيل القادم من بعدنا.

12 comments:

Unknown said...

وهل كنا ندون قبل ذلك؟وهل هناك شيء ما اسمه التدوين الفلسطيني-الغزي

كائن له حضور وشخصية والاهم من ذلك له قدره على الفعل
لا اعتقد ذلك،لذلك يخرج التدوين الفلسطيني ممل جدا،لدرجة انك تستطيع ان تتوقع ما الذي يمكن ان ينشره احد المدونين في البوست اللاحق

هو ليس تدوين بقدر ماهو كتابة للكتابة
خواطر ،شعر ركيك ،استعارات مستهلكة ومبتذلة ،سجال اثني عقيم
وذلك في رأيي مرده الى فقر التجربة الانسانية في بلدنا،كما اسلفت انت،شاب عشريني في وسط البلد له خيال ورؤى نعاقر نحن السنوات الطويلة كي نقاربها

الا ترى غزة الان،نمط واحد من الحياة نمط واحد من البشر يعيشون منطق حديقة الحيوان،اسمى امانيك ان تعيش،فقط ان تعيش مخبئا ابنائك في عبك
تربي لحيتك وتلبس زوجتك النقاب وهنا انتهت الحياة،ليأتي ذلك المتضامن اليساري الاممي ذو الكوفية كي يتفرج عليك ويلقي بعض خطاباته التعبوية ويرحل

ملل ورتابة واستلاب

Unknown said...

جميل جدا يا زرياب..
عندما يتشابه الجميع تخرج الحياة إلى التقاعد.
استمر بالكتابة، فهكذا ستختلف وستحافظ على سويتك

Anonymous said...

مصر فى مهب الريح

فى خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة - The Culture of Defeat - بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.

1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
4 - العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
5 - ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
6 - رئيس مصر القادم .. شروطه ومواصفاته حتى ترجع مصر الى عهدها السابق كدولة لها وزن اقليمى عربيا وافريقيا.
ارجو من كل من يقراء هذا ان يزور ( مقالات ثقافة الهزيمة) فى هذا الرابط:

www.ouregypt.us

ملاك said...

................

























الى اخره يرضى عليك

sun said...

http://img237.imageshack.us/img237/4263/20090425355.jpg

بتمنى تطل ع هالصورة يا استاز،،،،

حبيت وصلك الخبريــــة،،

بالتوفيق

سلام،،،

sun said...

http://img511.imageshack.us/img511/4263/20090425355.jpg

الشيخ زرياب said...

طلعت خطيرة وبتجيب مراسلات داخلية .. ممكن نتعرف على حضرتك علشان نحصل على هيك إشيا دائما؟

السلام عليكم

Anonymous said...

بالرغم من انو مواضيعك بتسم البدن بس اسلوبك اكتر من رائع وبشد الواحد انو يكمل الموضوع للاخر

Anonymous said...

ما اجمل اسلوبك الكتابي

وهذه التدوينة في الصميم وعرفت اتعبر عن المضمون كتير منيح

ياريت نشوف مزيد من كتاباتك
انا من فترة للتانية بفوت على المدونة لعلي اجد تدوينة جديدة بس ما في

الشيخ زرياب said...

الشيخ زرياب انتقل إلى هنا

https://cheikhzeryab.wordpress.com/

Me, myself, and her said...

مرحباً..
أجمل الثورات هي ثورة النفس على غيابها و ظلمتها. و أعظم ما حصل في الثورات العربية أنها حصدت للشعوب العربية غياب الغياب و شروق الصحوة و موت الظلمة.
تتشرّف مدونة "ديجا فو" بالتعاون مع شبكة "ضاد" الإعلامية أن تطلق هذه الحملة بمناسبة شهر رمضان الكريم.
تابعوا ما ننشره بشكل يومي في رمضان، و يسعدنا مشاركتكم في الحملة بين الكثيرين ممن ننشر لهم جُمَلهُم الإيمانية .. كل عام و أنتم بألف خير.
للمزيد من التفاصيل:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=205365699590840&set=a.181972185263525.37854.174021456058598&type=1&theater

Unknown said...



thx

شركه تنظيف